المنهاج التربوي المغربي الجديد

المنهاج التربوي المغربي الجديد
مدخل:
تأتي مساهمتنا هذه في سياق مقاربة بعض عناصرالأجوبة والنقاش للأسئلة القيمة التي عملتم على طرحها من خلال موضوع: "مناهجناالتعليمية.. بين الواقعية والتنظير.."؛ وذلك بتقديم التجربة المغربية في تجديدالمنهاج التربوي، وفق التطورات والتحولات المجتمعية والمعرفية المحلية والعالميةالحديثة. وبتقديمنا للتجربة المغربية، نتوخى كذلك إغناء الثقافة التربوية العربيةالمقارنة لدى الفاعلين التربويين، أفرادا وجماعات، ومد مزيد من جسور التواصلوالتفاعل البين-عربي في ميدان ريادي وحاسم في تطور المجتمعات، يظل مهمشا كثيرا فياهتمامتنا الفردية واختياراتنا السياسية الجمعية.

وعليه، فإننا اعتمدنا في مقاربتنالهذا الموضوع على الخطاطة المنهجية التالية:
1- التعريف بالمنهاج التربوي.
2- تقديم عناصر المنهاج التربوي المغربي.
3- خلاصة وتقييم عام.


أولا: تعريف المنهاجالتربوي(التعليمي( :
يمكن اعتبار المقاربة المنهاجية لتنظيم وهندسة المنظومة التربويةوالتعليمية من المقاربات التربوية الحديثة التي حاولت تجاوز ثغرات وسلبيات المقاربةالتقليدية المتمركزة على المحتويات والمضامين الدراسية؛ وبصفة عامة، يمكن تعريفالمنهاج التربوي(Curriculum)بأنه تخطيط للعمل البيداغوجي أكثر اتساعا من المقررالتعليمي؛ فهو لا يتضمن، فقط، مقررات المواد، بل أيضا غايات التربية وأنشطة التعلم والتعليم، وكذلك الكيفية التي سيتم بها تقييم التعلم والتعليم (D Hainaut.L1983).

وعليه فأن المنهاج التربوي يحدد باعتباره:
تخطيط عملية التعليموالتعلم، ويتضمن الأهداف والمحتويات والأ نشطة ووسائل التقويم.
مفهوم شامل لايقتصر على محتوى المادة الدراسية، بل ينطلق من أهداف للتحديد الطرق والأنشطةوالوسائل.
بناء منطقي لعناصر المحتوى، على شكل وحدات، بحيت إن التحكم في وحدةيتطلب التحكم في الوحدات السابقة.
تنظيم لجملة من العناصر والمكونات بشكل يمكن منبلوغ الغايات والمرامي المتوخاة من فعل التعليم والتعلم (سلسلة علوم التربية، عدد4).



ثانيا: عناصر المنهاج التربوي المغربي:
ينطلق المنهاج التربوي المغربي منمرجعية أساسية ألا وهي "الميثاق الوطني للتربية والتكوين"والتي تعتبر ك"دستورتربوي" توافقت عليه أغلب القوى الحية في البلاد: الأحزاب الممثلة في البرلمان،النقابات الأكثر تمثيلية، بعض جمعيات المجتمع المدني، علماء، شخصيات فاعلة،مقاولات... وقد عمل"الكتاب الأبيض"للتربية والتكوين على أجرأة وتدقيق محتوياتالميثاق لبلورة المنهاج التربوي المغربي، الذي ينطلق من الفلسفة التربوية للميثاقوذلك لتحديد الاختيارات التربوية الموجهة لمراجعة (وبناء) مناهج وبرامج التربيةوالتكوين، التي تنطلق من المبادئ والأهداف التالية:
اعتماد العلاقة التفاعلية بينالمدرسة والمجتمع، باعتبار المدرسة محركا أساسيا للتقدم الاجتماعي، وعاملا من عواملالإنماء البشري المندمج.
وضوح الأهداف والمرامي البعيدة من مراجعة مناهج التربيةوالتكوين، والتي تتجلى أساسا في:
المساهمة في تكوين شخصية مستقلة ومتوازنةومتفتحة للمتعلم المغربي، تقوم على معرفة دينه و ذاته ولغته وتاريخ وطنه وتطوراتمجتمعه.
إعداد المتعلم المغربي لتمثل و استيعاب إنتاجات الفكر الإنساني في مختلفتمظهراته ومستوياته، ولفهم تحولات الحضارات الإنسانية وتطورها.
إعداد المتعلمالمغربي للمساهمة في تحقيق نهضة وطنية اقتصادية وعلمية وتقنية، تستجيب لحاجاتالمجتمع المغربي وتطلعاته.
استحضار أهم خلا صات البحت التربوي الحديث فيمراجعة(وبناء) مناهج التربية والتكوين، باعتماد مقاربة شمولية ومتكاملة تراعيالتوازن بين البعد الاجتماعي والوجداني والبعد ألمهاراتي، والبعد المعرفي، وبينالبعد التجريبي والتجريدي، كما تراعي العلاقة البيداغوجية التفاعلية وتيسير التنشيطالجماعي.
اعتماد مبدإ التوازن في التربية والتكوين بين مختلف أنواع المعارف، وبين مختلف أساليب التعبير(فكري، فني، جسدي) وبين مختلف جوانب التكوين(نظري، تطبيقي عملي).
اعتماد مبدإ التنسيق والتكامل في اختيار مضامين المناهج التربوية، لتجاوز سلبيات التراكم الكمي للمعارف ومواد التدريس.
اعتماد مبدإ التجديد المستمر والملاءمة الدائمة لمناهج التربية والتكوين وفقا لمتطلبات التطور المعرفي والمجتمعي.
ضرورة مواكبة التكوين الأساسي والمستمر لكافة اطر التربية والتكوين لمتطلبات المراجعة المستمرة للمناهج التربوية.
اعتبار المدرسة مجالا حقيقيا لترسيخ القيم الأخلاقية وقيم المواطنة وحقوق الإنسان وممارسة الحياة الديمقراطية (الكتاب الأبيض،2002).

ولبلورة وهندسة هذه الاختيارات والمبادئ العامة في المنهاج التربوي المغربي، تم اعتماد التربية على القيم(قيم العقيدة الإسلامية،وقيم الهوية الحضارية ومبادئها الأخلاقية والثقافية، و قيم المواطنة، وقيم حقوقالإنسان...) واعتماد بيداغوجيا الكفايات، كبيداغوجيا حديثة وفعالة، لتنمية وتطوير الكفايات التربوية والتكوينية، وكذلك التربية على الاختيار واتخاذ القرار. كما تم، من الناحية التنظيمية، إعادة هيكلة السنة الدراسية، واعتماد نظام المجزوءات،واللامركزية التربوية، وإحداث مؤسسات ومجالس تربوية جهوية وإقليمية ومحلية وداخل مؤسسات التربية والتكوين...


ثالثا: خلاصة وتقييم عام:
إن الإصلاح الجديد لمناهج التربية والتكوين في المغرب، والذي بدأ تطبيقه تدريجيا في مختلف مؤسسات التربية والتكوين منذ 1999، يعتبر قفزة نوعية في تاريخ المنظومة التربوية المغربية، من أجل تحديثها تربويا وقيميا وتنظيميا بالمقارنة مع ما كان سائدا قبل الإصلاح الجديد هذا. لكن رغم بعض المعطيات والديناميات الإيجابية- خصوصا على مستوى التأسيس النظري والنصي- التي خلقها هذا الاصلاح المنهاجي، وبالرغم من بعض المجهودات التنظيمية والمالية التي تبدلها الدولة المغربية، فإنه على مستوى الواقع العيني لازالت تعتوره بعض المعوقات والسلبيات التي يمكن إجمال بعضها فيما يلي:
عدم المواكبة المالية والمادية والبشرية الكافية للإصلاح ومتطلباته الحقيقية (عدم كفاية الميزانية المالية المخصصة للتعليم، قلة الأطر والمناصب المالية، ضعف وعدم كفاية وجودة البنيات والفضاءات التربوية والتكوينية...)
عدم المواكبة الكافية والفعالة للإصلاح من حيث التاطير والتكوين المستمر، وتجديد التكوين لأطر التربية والتكوين.
عدم العناية الكافية بالموارد البشرية التربوية من الناحية الاجتماعية والإدارية، حيث تبقى المجهودات الرسمية المبذولة في هذا الميدان غير كافية أمام تراكم المشاكل والصعوبات الاجتماعية و الإدارية التي تعاني منها أطر التربية والتكوين (الأجرة ونظام التعويضات، السكن الإداري، التنقل، الحركة والتعيينات، الظروف المهنية الداخلية...).
تعقد بعض المعطيات السوسيو-ثقافية و الاقتصادية لمحيط المؤسسة التعليمية والتي تؤثر سلبا عليها، حيث هناك علاقة تأثير وتأثر جدلية ومتبادلة بين المجتمع والمؤسسة التربوية، مما يجعل أي إصلاح تربوي، وأي إصلاح للمناهج التربوية يرتبط بنيويا ووظيفيا بباقي الإصلاحات المجتمعية الإيجابية الأخرى (سياسية،أجتماعية، اقتصادية، ثقافية...).

في الأخير، نظن بان المغرب التربوي يحاول ما أمكن،رغم وجود بعض المعوقات، التكيف والتغير مع المعطيات المعرفيةوالقيمية والمجتمعيةالجديدة (المحلية والعالمية) التي تفرضها عدة معطيات وتحديات موضوعية جديدة، كالحاجة إلى التحديث المعرفي والقيمي والمؤسساتي والمجتمعي عامة، لرفع تحديات التنمية والتقدم والتماسك الوطني وتلبية الحاجيات المجتمعية الأساسية، والقدرة على دخول غمار المنافسة العالمية الشرسة التي أصبح يفرضها واقع العولمة، بزحفه الاقتصادي والاجتماعي والقيمي...على المجتمعات العربية. ونظن، وكما هو مؤكد، أن البوابة الملكية للدخول إلى امة قوية، والرافعة الأساسية لتقدم وتنمية هذه الأمة، هو نظام التربية والتكوين، والمناهج التعليمية القوية والفعالة مجتمعيا.


_____________________

المراجع:
1.-D'Haint.L, 1983: Des fins au objectifs de l'éducation.Ed Labor, Bruxelles et fernaud Nathan, Paris.
2. سلسلة علوم التربية، العدد4، 1990.
3. الكتاب الأبيض، الجزء الأول، لجان مراجعة المناهج التربوية المغربية للتعليمالابتدائي والثانوي الإعدادي والتاهيلي، يونيو 2002.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire